أفيقُ قبل أن يستيقظَ الضّجيج. طيرٌ دخيلٌ في حجمِ شحرورة، بلون الغرابِ، راحَ يقلّدُ أصواتَ العصافير التي نعرفُها منذ القِدَم، ويستدرجُها إلى موتِها بين مخالبِه ومنقاره.
قالت لي زوجتي: ما بك وقد لبستَ وجهَك بالمقلوب؟
قلتُ: حلمتُ أنّ العصافيرَ صارت تشتري قمحَها بالعملة الصّعبة، بعد أن غابَ كفّا جدّتي المملوءان بالبذور.
أمامَ طاولةٍ مستديرة، في مساحةِ قهوتي، أفتح كتابًا مترجمًا من اللّغة الفرنسيّة فأعثرُ على الفيلسوف ميشيل فوكو، يقول لفريدريك نيتشه: يا صديقي، ليست الحربُ استكمالًا للسّياسة بوسائل أخرى، وإنّما السّياسة هي استكمالٌ للحرب.
أطفئُ سيجارتي بعدما أقرّر، للمرّة الألف، أنّها السّيجارةُ الأخيرة، وأحاولُ استعادة ملامحي التي تركتها فوق الوسادة في الليلة الماضية. صوتُ محرّكٍ في البعيد، يصعدُ من شارعٍ مختبئ خلف بيوتٍ مُكعّبة.
نشرةُ الأخبار لم تتبدّل منذ قرنَين، ما عدا في بعض التّفاصيل. أنقلُ جهازَ التّلفزيون إلى الجهة الغربيّة، فلا تتغيّر الأخبار. أبطالٌ خرافيّون من ماضٍ متبدِّلٍ يقفون وراء كلمات مذيع لا يفهمُ ما يقول، من أجل أبطالٍ يعيشون في مستقبلٍ مرتبك. هي الحربُ، طيلة الوقت، تدقُّ طبولَها على مسامع حمامةٍ بيضاء ما تزال راقدةً على بيضتَيْن قربَ نافذتي.
أصُبُّ فنجانَ قهوةٍ آخر، أشعلُ سيجارةً أخرى، وأراقبُ الطّيرَ الدّخيل الذي في حجمِ شحرورة، وفي لون الغراب، فيما يقلّدُ هديلَ الحمامة البيضاء ثمّ يقف على أنفي وينقُرُ وجهيَ المقلوب.